السبت، 29 مارس 2014

غلاف رواية " الملك الوجه "


هروب النص من الزمن
إحياء الحكاية التراثية في ثياب الرواية الجديدة
محسن يونس
كتب : ياسر المحمدى
    هناك بعض النصوص التي بعد خروجك منها تلفت نظرك إلى قضايا أبعد من التحليل الداخلي لعناصر النص ومكوناته،وهذا ما حدث معي بعد الانتهاء من قراءة الملك الوجه لمحسن يونس،لذا سأكون معني بمفهوم التجنيس الأدبي ودوره في قتل بعض النصوص ومنعها من مواصلة رحلتها عبر الزمن.
     يُعني التجنيس الأدبي بمهمة تحديد السمات الشكلية والأسلوبية التي تتجلى الأفكار من خلالها في النص ومن ثم تصنيف هذا النص وتحديد جهة انتماءه لجنس أدبي ما،غير أن مسألة التجنيس هذه والتي تختلف من زمن لآخر تقف حاجزا دون قصد لتحد من امتداد نص قد يكون قابل لأن يضاف إلى مادته،فالسير الشعبية والحكايات التراثية على سبيل المثال تمثل قماشة متسعة قابلة لاستقبال أي جديد وإن اختلفت سمات هذا الجديد عن المتن الأصلي في بعض التفاصيل، فالكثير من الإنتاج الأدبي الحديث يمكن أن يكون امتدادا مباشرا لنوعية من التأليف العربي القديم كونه حاملا لنفس الجينات الوراثية،كما أننا في الغالب نكون سطحين حين نحكم على نص بأنه تراثي أو حداثي معتمدين في ذلك الحكم على تاريخية إنتاج النص مما يجعل هذا الحكم قاصر و غير دقيق ،فمثلا ألف ليلة وليلة عرفت الكثير من الطبقات المتعددة في تأليفها،حيث توجد لها هيئة بغدادية وأخرى شامية وهكذا،ولقد ميز باحثو التراث في هذه الطبقات بين مراحل تاريخية قديمة ووسيطة وحديثة ،حيث تنتمي بعض الحكايات إلى عصر المدفع والطربوش،مما يعنى أن الإضافة لها ظلت مستمرة حتى القرن الثامن عشر أو التاسع عشر الميلادي الذي شهد الطربوش في العصر العثماني الأخير،إن الحكايات والأفكار وطرق التأليف تعتمد في مجملها على نص محرك أصلى تطور مع الوقت في أشكال وصيغ مختلفة و التي نتوهم حين نخوض في التفاصيل أنها وصلت إلى حد المفارقة لهذا النص الأصلي،مما يجعلنا نكف عن استدعاء هذا الجنس أو هذه الفكرة في مسماها الأصلي مصوبين اهتمامنا إلى أوجه التشابه الظاهرة في الأسلوب أو القضايا المطروحة بين النصين (الأصلي ،النص الذي تطور عن النص الأصلي)،والتي تختلف اختلافا طفيفا في الغالب من عصر إلى آخر،إننا نقارن المتون الروائية العربي منها والغربي ونبحث فيه عن التأثيرات التراثية مقتنعين تمام القناعة بأن هذه النصوص توقفت الإضافة لها،فيما أننا لو أمعنا النظر في الرواية الحديثة لن نحصل على قواعد ثابتة يمكننا عندها إخراج أي كتاب كَتبَ عليه صاحبه أنه رواية من جملة فن الرواية،غير أنه _طبعا_ تبقى القيمة الذوقية والجمالية هي المعيار الأول في الحكم على مدى الجودة التي تجعلنا نقول عن هذا العمل بأنه رواية رفيعة أو ضعيفة المستوى من حيث انتمائها للفن الروائي،وربما يرجع ذلك أيضا إلى نظرتنا حينما نطلق على نص ما بأنه مكمل للحكايات التراثية بأننا نقلل من قيمته الإبداعية،وكما كانت هذه الحكايات الشعبية والتراثية بمثابة كتاب الحياة والمتن الذي لا يرفض إضافة العقل الجمعي  فإن الرواية اليوم تنهض بنفس الدور،غير أنني أبقى متعلق بهذه النوعية من الروايات التي ربما لو وجدها شخص في مخطوط قديم وقرأها مع حذف بعض التفاصيل التي تنتمي لواقعنا اليومي المعاش،لما شك أنها أحد المراحل في تطور نص تراثي ما، و رواية "الملك الوجه" لمحسن يونس هي أحد هذه الروايات،والتي بعد أن تنتهي من قراءتها يمكنك أن تقول انك قرأت نص تراثي هارب من قيد اللحظة الزمنية ،فلماذا لا يكون محسن يونس في الملك الوجه امتداد طبيعي للنص التراثي في ثياب عصرية يمكنها ان تعبر إلى المستقبل أيضا حاملة معها النص التراثي القديم تحت نفس المسمى دون انقطاع للمسمى القديم /الأصلي.
   فكما ناقشت حكاية حي ابن يقظان في روايتها الأكثر إبداعا عند بن الطفيل قضايا فلسفية متعلقة بالوجود والعدم ووحدة الوجود وكثرته غير المتناهية وقضايا في الفقه والشريعة من خلال نص غرائبي نعرف قصته وطبيعته الحكائية،وكما قامت ألف ليلة وليلة على صناعة الحكاية وإتباعها بالعبرة أو المفهوم الفلسفي وغيرها من النصوص التراثية ،يقوم محسن يونس بمناقشة قضايا ،مثل فلسفة السلطة وعلاقة الحاكم والمحكوم ،ورؤية العالم من وجهة نظر بنيوية أو تفكيكية لدي الشخصية المحورية في النص /شخصية الملك ومن حوله حكماء قصره،كما تعرج الرواية عن طريق التلميح إلى الوضع الراهن لمصر بعد الثورة .

  تأتي الملك الوجه في متن واحد كبير تتوالد فيه الحكايات غير عابئة بالتواصل المنطقي سواء على مستوى الزمن أو الحدث ،هذا التوالد الذي تتسم مشهديته بالفنتازيا في غالبية النص حيث نجد طائر خرافي هو السامورنيس لجوار الطائرة ،تقوم هذه الفنتازيا في مملكة الرمال والتي لا يستطيع ملكها رسم حدود لها كونها متغيرة تغير دائب،يتسم الملك بالأنوية المفرطة التي تجعله يرى نفسه مركز المملكة على الرغم من عدم قدرته على رسم خريطة لحدودها،الملك شخص غريب الخلقة فهو بعين واحدة  خلافا عن سائر سكان المملكة ذوي العنين،هذه العين هي رايه الذي لا يهمه سواه حتى لو اعدم جميع حكماء قصره فهو يرى نفسه الحقيقة المطلقة والموضوع وكل ما سواه عارض،فكلما حاول الحكماء معالجة عيبه تفنن لهم في أغاليط تشبه جدلية أيهما أسبق الفرخ أم البيضة ،ومن ثم استوجاب القتل أو غيره، ينجح الحكيم الثامن في حل مشكلة عينه الواحدة هذه بأن يجعل له نظارة شمسية ،غير أن هذا العيب بمجرد معالجته يظهر عيب آخر في انفه وإذا تم حل عيب انفه يظهر عيب أذنيه،وهكذا يناقش محسن يونس قضية رؤية العالم من خلال مشاهد تشبه المجاز التمثيلي،فكما لا يمكن للجغرافيين رسم خريطة للمملكة لا يمكن للحكماء معالجة عيوب الملك ولا يمكن للفلاسفة أيضا في عالمنا الذي نعيشه وضع تفسير نهائي للعالم والوجود.
جاءت الرواية في متن واحد وأربع نهايات ،حملت عنوناتها سمة فلسفية في الغالب،وهذه العنونات جاءت بمثابة المفتاح لدخول كل فصل و كيفية مناقشته للقضايا المعرفية المطروحة،من هذه العناوين (صحراء هروب المسافات سواء أكانت في وسع العالم أو قيد حجرة _صحراء أن تدرك في وهمك ما لا تستطيع أن تدركه في الحقيقة)،تقوم عنوانات النهايات الأربع بوضع القارئ أمام إعادة النظر في كيفية رواية النص/ الوجه الملك من ناحية كل راو و وجهة نظره التي رأى من خلالها الأحداث،مما يعني إعادة التشكيل الدلالي لأجزاء النص على حسب كل نهاية وراو في مخيلة القارئ مرة أخرى بعد الانتهاء من المتن الأصلي الطويل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق