السبت، 11 أبريل 2009

طرائف


من طرائف التلقى والتعامل مع نص قصصى
تلقيت هذا التعليق من أحد القراء ، الذى يكتب أيضا القصة ، وقد نقلته حرفيا ، ولم أتدخل فى الأخطاء الإملائية لصاحب التعليق ، ولم أذكر اسمه كذلك .. كانت القصة قد نشرت فى موقع مشهور للقصة العربية ..
...............................
أخي محسن ..سأكون صادقا معك ..حينما نشرت القصة حاولت قراءتها ولم تشجعني البداية فأنصرفت عنها ..وحينما قرأت أشادة أخي خالد الجبور حاولت قراءتها مرة ثانية وفشلت للمرة الثانية ..وبدأت أحاول فهم سبب هذا الفشل في الأندماج والأستمتاع ..
........................
وبالفعل فهمت أين الخطأ من وجهة نظري ..هو كتابة القصة قطعة واحدة بلا فواصل تتيح لي فرصة التقاط الأنفاس وترتيب الأفكار ..فنسختها وقرأتها بعد وضع الفواصل فكانت النتيجة جيدة ....
فى نص آخر تلقيت تعليقا أكثر طرافة ، فصاحبه استخدم ذائقته النقدية فى "تخليض تاره " منى ، يبدو موضوعيا فى حديثه ، وهو يخفى سمومه ، يقول – لا فض فوه – معاذ | مصر
اللغة هنا غريبة قليلا :"والبال شارد أنا"! و هناك تكرار ليس له فائدة مثل :"سحبت غطاءه ، لا أعرف كيف .. إنما أنا سحبت غطاءه".. أظن سحب الغطاء ليس بالأمر العجيب لكى تقول "لا أعرف كيف" ثم تكرر عبارة "سحبت غطاءه" مرة أخرى. وقولك "، لم أقدر ، وأفشل" هما نفس الشئ وأي واحدة منهما تكفى. وأيضا "لا أستطيع وصفه إذ أنه قديم وحديث ، وهذا الوصف من عندي أنا ، لم أقرأه" قلت أنك لا تستطيع وصفه ، ثم وصفته بوصف غير جديد على الاطلاق ثم اجهدت نفسك لتقنعنا بأنه وصف جديد ! وفى قولك "ذلك المخلوق الذي اسمه عفريت" كان يكفى أن تقول ضحكات العفريت أو ضحكات المخلوق فهما نفس الشئ ونحن نعرف إذا قلت المخلوق أنه عفريت فلا حاجة للتوضيح.. أرجو ألا يزعجك تعليقى وأن تتقبله بصدر رحب.
نفس النص القصصى تناوله آخرون قبل ، وبعد هذا التناول الطرفة ، أنقلها جميعا مع ذكر أسماء أصحابها بالطبع ..

منصور كامل | مصر / الاسكندرية
القصة تدل على خبرة كاتبها. وهي شيقة وممتعة . أتمنى من الكاتب أن يبسط من اللغة التي تقلل من شحنة المتعة خاصة مع العفريت . العفريت هو نفسه بني آدم . اقول أن الكاتب يتقدم خطوة عن الواقعية السحرية في زيها المصري. كاتب يعرف كيف يسوق القصة فقط بعضلا من إحكام اللغة واقترابها من المعجم الشعبي .

سمير الفيل | مصر
أول ما يلفت النظر
أول ما يلفت النظر في هذا النص قدرة الكاتب على نقل التخييل من مرتبة الفانتازيا الخالصة إلى فضاءات تتقاطع فيها التصورات مع الرؤى في اشتباك حميم ، وأخالني في موقف الطفل الذي عثر صدفة على مكحل قديم فراح يحركه، ويعبث فيه فخرج العفريت من المكحل ،وراح يردد العبارة الأثيرة : " شبيك لبيك " ، وبدلا من أن ينتهز الفرصة ليطلب ما شاء انعقد لسانه وارتج عليه القول ، فكان مصيره أن أدخله العفريت المكحل ، وفر هو من المكان .
بالطبع سنلاحظ سمة أساسية عند الكاتب هو النزوع القوي للجمل الخاطفة بلا تزيد ، والاتجاه إلى نسيج سردي متماسك ، مع التخلص من الترهل في الأحداث. لا مكان هنا للثرثرة ، ولا للاستطراد ، ولكننا قد نعثر على قليل من الغموض لنسأل أنفسنا بعد أن ننتهي من قراءة النص ومشاكلة سطحه ، واختراق القشرة الصلدة بحثا عن العمق : ماذا يريد الكاتب حقا ؟
وفي ظني أن الحكي بالصورة التي يقدمها محسن يونس تبتغي أن ننبش في الذاكرة الشعبية بحثا عن طرائق آداء تشتبك فيها البساطة مع مسحة شعبية مؤثرة .
ولنضف إلى ذلك أن مفردة ( الكحل ) ترتبط بالليل ، بالأسود ، بالسحر في اصوله الأولى , وربما كان مكحل الأم هو عودة حميدة إلى الطفولة ـ رغم أن الكاتب لم يذكر ذلك بتاتا لكنني تلمسته ـ واغتراف خجول من مناطق الفتنة في السير الشعبية التي يدمجها الكاتب بعد أن يحررها من عاديتها بالتحولات التي تمس الفرد ككائن وحيد أعزل . كائن يتخاطفه جهامة الواقع فيهرب منه إلى سحر الخيال . وتلك مهمة يقوم بها الكاتب في حنكة ، ووعي ، واقتدار.

محمدالقبي | تونس
المبدع محسن يونس : قصتك هذه صعبة كما ذكر الصديق خالد الجبور و"لحظة طائشة في عالم محسن يونس "كما جاء على لسان الصديق ياسر عبد الرحمان...هي فعلا صعبة تستعصي على القارئ ، لقد جعلتنا نعيش أجواء أسطورية ولك أهدافك في ذلك وليفهم المتلقي كيفما شاء كما للكاتب وللمبدع حرية اختيار الفكرة و الأسلوب الذي يروق له في الكتابة... قد تكون هنا استندت إلى مرجعيات معينة في الحكي و في التخيل، عموما إن النص مربك و محير أيضا، يمكن أن يفهم بطرق عديدة و يقرأ بطرق مختلفة أو هكذا يبدو لي ... شكرا لك ... مودتي . محمد القبي

عصمت فؤاد عبد الحق | مصر
الأستاذ/ محسن قصتك من النوع السهل الممتنع فعندما يتناول ناضج بعض ذكريات الطفولة ومخاوفها بشكل فنى جميل يجمع بين أسلوب الحكى والسرعة فى ترتيب الأحداث فهذا يدل على مقدره فنيه عاليه ولكن ماذا تقصد بأن الكحل راح وانقضى؟
ودمت مبدعا

خالد الجبور | فلسطين
أستطيع أن أقرأ هذه القصة الجميلة والصعبة قليلاً كالتالي :
طفل مسكون بالحكايات ، وربما بحكاية مصباح علاء الدين السحري بالذات ، وحين يقع بصره على مكحلة أمه المعتمة من الداخل، ويفتحها ، يتراءى له الجنيّ ، فيهوي في هوّة الخرافة، أو يحلّق في فضاء المخيّلة ، متحركاً داخل حكاية قديمة جديدة ، حكاية تعبّر عن أحلام ورغبات هذا الطفل ، الذي يجد نفسه منحازاً لعالم الدهشة أكثر من الرغبة في تحقيق أحلام صغيرة تضعه خارج المخيلة ، وتحرمه من متعة الدهشة ، فيسقط داخل المكحلة ، ليظلّ أسيراً لهذا السحر الكامن فيها .

لعل هذا الطفل ما يزال يقبع في أعماق محسن يونس ، فهذا الكاتب لا يكفّ عن ارتياد تلك المنطقة المسكونة بماهيات تتحرّك كمويجات في عالم آخر يوازي عالم الواقع الجاف والفقير جداً .
لغة الطفل في النص بدت لغة متوافقة مع أجواء الدهشة ، فتخلخلت ، واضطربت اضطراباً مقصوداً ، وهذا ما يفعله الفنان الحاذق حين يبدع من قلبه .
مودتي العميقة لمحسن يونس المسكون بالدهشة والحلم .

ياسر عبد الرحمن | مصر
اللحظة الطائشة فى عالم محسن يونس
فجأة أطل المبدع محسن بحدث جديد مما يؤكد ان عالمة الفنى مزدهر بالأفكار واللحظات الأقرب الى الجنون ..... والحدث يحملنا الى بعد مجسم من التخيل يجعلنا نستند الى مرجعيات مشهدية فى تاريخنا الثقافى حول اللحظات المماثلة فى القصص فى الأفلام فى الحواديت .... ..الى آخره .........ثم يأتى محسن منفصلا عن الجزيرة و القرية وينساب بعوامل سحرية الى داخل هذا المكحل الصغير
بدأ زمن القص بعد مرور الحدث الرئيسى وهو إدخاله فى المكحل .. ولنا ان نفترض ان الحدث الرئيسى هو حاله الرعب و الأرتباك التى جعلت البطل يعجزعن طلب أى شىء من المارد .. وكان من علامات الصدق الفنى إستحضار حالة الرعب فى بدء لحظة الحكى رغم انتهاء زمن الحدث
المتن الحكائى عبارة عن مادة خام طيعة فى يد السارد وقابلة للصياغة بما لا حصر له من الاتجاهات و الأشكال .. وقد قدمت القصة طرحا جديدا لهذا المارد الذى يظهر من فانوس أو ما شابه ويقول شبيك لبيك وان لم تطلب يحترق .. ومحسن جعل المارد أكثر إيجابية فى رد فعله ..فبدلا من الاحتراق وضع الطفل فى المكحل الذى خرج منه
وينتهى النص معبقا بالاحتمالات ..فلعل الحدث لم يحدث ولعله حدث ... ولعلها لحظة جنون طائشة لإنسان يحلم بمن يحقق له أمنياته بهذا الشكل الصارخ ..شبيك لبيك ..
وتم تطعيم الحدث بأوصاف الفزع والارتباك والفلسفة التى تشرأب بلا مناسبة من قلم الكاتب لتعكس ثقافته وقدرته على التحليل فيقول صوته قديم و حديث
و أتصور ان منهج الارتباك يبررسقوط التعبيرات فوق بعضها بهذا الخلط الذى لم يحكم جيدا
كما ان النص يصلح كمعادل موضوعى لشخص متأزم ومقهور ويظل كذلك حتى لو واتتة الفرصة تضيع و تتحول الى نقمة
قصتك تحمل بلاغة الحكى من البطل المشارك وتصنع رونقا من التلقائية والبساطة حول هذا
الحدث المفترض
مع خالص تحياتى

أنا ابن بحر






من أصدقائى الأعزاء
الكاتب جار النبى الحلو
فى مرسى مطروح

الجمعة، 10 أبريل 2009




محسن يونس : الإبداع بأسلوب الحكّاء الشعبى
طلعت رضوان

بيت الخلفة (تعديدة روائية فى أدوار) للأديب محسن يونس (الهيئة العامة لقصور الثقافة إبريل 2004). يضم 14 تعديدة (= قصة قصيرة) وكل قصة يُسميها المؤلف دور. وكل قصة تحمل عنوانًا مستقلا. ولكنه استقلال مخادع. فأسماء الشخصيات تتكرر فى معظم القصص. وكذلك أسماء الأماكن التى تدور فيها الأحداث. بل إن الحدث الواحد نجد صداه يتردد فى أكثر من قصة. وبالتالى نكون أمام عمل إبداعى متفرد : فكل قصة يمكن أن تُقرأ مستقلة عن غيرها. بعد أن اكتسبت على يد مبدعها كل خصائص القصة القصيرة. وفى نفس الوقت – بعد الانتهاء من قراءة كل القصص – يكون القارىء أمام رواية. خاصة وأن الكاتب حقق أهم خاصية يتميز بها العمل الروائى. أى الجدل الدرامى المتنامى من خلال شبكة العلاقات التى تضم الشخصيات والأحداث .
أما التفرد الثانى فهو تخلى الكاتب (فى الظاهر) عن صفته كروائى. ليجلس على مقعد حكّاء القرية أو الراوى الشعبى. وقد فعل ذلك بجدارة. لأنه أجاد الأداء الأسلوبى للرواة الشعبيين . وكأنما يمثل الإمتداد الطبيعى لهؤلاء الرواة الذين انقرضوا بعد غزو التليفزيون للقرية المصرية .
الأدوار التى تضمها الرواية تتناول التغيرات التى حدثت فى السنوات الأخيرة فى بعض قرى وأحياء مدينة دمياط. فى القصة الأولى (دور مرساة الهموم) الشاب لطفى عاد من لبنان ليكتشف أن ولدًا ((تخطى عتبة البلوغ بخطوة نطّ على رقبة جدك. خطف العمامة. فبانت صلعته. ورمى الولد ابن عائلة الكرادنة بعمامة جدك على الأرض. داسها بقدمه وطبّل على صلعة الجد وهرب وهو يضحك . جدك وجهه فى الأرض يا ولداه. الناس تشمت وقالوا النكت)) (ص21 ، 22) .
لطفى يحب جده. فأراد أن ينتقم له. وحكى الراوى ((أنا شفت هذا والله. أمسك لطفى كبير الكرادنة. وهو يقعد أمام بيته على كرسى. يضع رجلا على رجل. تقدم لطفى منه. وخلع عن رأسه العمامة. ورمى بها أرضًا. وداسها بأقدامه. وطبّل على رأس كبير الكرادنة الصلعاء مرتين. كان الشاب يا ولداه يحب جده ويعشق أعمامه)) (30 ،31) فماذا حدث بعد ذلك؟ الجد والأعمام يُكتّفون لطفى ويمشون به فى الشوارع كما الميت فى كفن ويضعونه تحت أقدام عائلة الكرادنة. لطفى يدافع عن شرف جده. فيكون المقابل تسليمه لأعداء الجد. لماذا هذا التصرف؟ قال الراوى ((لم يعرف الشاب يا عينى أن رسول الكرادنة ناقش كل شىء مع عائلته. يأخذ كلٌ حقه. وعائلته وافقت. قالت لرسول الكرادنة أنها لاتحب أن يحدث منها اعتداء. تم الإتفاق ولطفى نائم)) ماطبيعة هذا الإتفاق؟ ما هى الأسباب. وبالأدق ماهى المصالح التى أدّت بعائلة لطفى أن تقبل هذا الهوان؟ أسئلة لاتجد لها إجابة مباشرة. ولكنك تستشعرها بلغة الفن. أن ثمة متغيرات جعلت فئات اجتماعية تخضع لفئات أخرى. خضوع يصل إلى درجة القهر الذى هو انعكاس للقهر الجماعى فى أى منظومة حكم مستبدة .
وكما فى معظم أدوار الرواية. وحيث أن الراوى الشعبى حلّ محل الأديب. لذلك يقول لطفى (بطل القصة المغدور) للراوى ((يا بن يونس. هل رأيت هذا فى كتبك؟ أكتبها إذن. أنشرها بين الناس قل لطفى صار فرجة. أنت تقف على قدميك يابن يونس. أنا المقتول لاأنت. هل تكتب؟ أكتب يا جدع نادرة من نوادر الزمن)) ولطفى وهو أسير جده وأعمامه يُكلّم نفسه ((والآن أنت وقعت. أقفلوا عليك يا سبع بوابة. تطلع من حرب لبنان مثل الشعرة. تخرج بلا تقطيع من العجين. جرح واحد يا شاب لم تنجرح. الجرح فى الحشا أصعب يا أخى)) ( ص 12 ) .
يتميز الأديب محسن يونس (ثالثًا) بقدرته على استخدام مفردات اللغة المصرية داخل سياقات السرد. ومن أمثلة ذلك ((رأيت الشاب ابن العيلة السواح فى البلاد. حن وكن. بسمتى على وجهى ولسانى لهج. يا اللى شبابك زين وخسارة فى الغربة. لولا شبابك ما بكت لى عين)) (11) وفى دور(من ربى ومن رعى) حكاية شفيق الذى ربى نمرًا ليرهب به الجيران. فكانت نهايته بمخالب هذا النمر. قال الراوى((ورأيت شفيق قبل عدمه بساعة. قلت: الجاه على قدمين يمشى. قلت: يا اللى جيت على قد زمانك. يا اللى انت من تراب. يا اللى رحت بأفعالك. لاسلطان نفعك ولا غنى فادك)) (57) وأم شفيق تكره الراوى وتعتقد أنه شامت فى مقتل ابنها فتقول له((ابنى عمره ما حبك. كان لنا سبع تهيبه السبوعه. والسبع مات. وإحنا كلنا الضبوعه)) فيرد الراوى ((قولى يا ست الدار يا اللى إنقطع سلسالك وانعدم حسك م البلد. ست الدار فزّت وصرخت أخرج برا يا بو قلب أسود)) .
فى دور(كامل المعنى) قال الراوى((مساء الخير عليكم يا نجوم العشا. يا صفر زى المشمشة)) فى هذه القصة البطل اسمه (أمين البحر) قال الراوى((تعرف إنجليزى يا بحر؟ يس أوف كورس. الريس المؤمن يمسك البايب. لبلب فى اللغة. يرطن وهو يدخن الأنفورا. هو يرطن أى نعم. المهم نفسى ومنى عينى أجامع واحدة سودا زى قعر الحلة)) (188) .
أما أسلوب محسن يونس فى طريقة تركيب الجملة. فهو تميزه الرابع. قال الراوى فى دور(مرساة الهموم): ((لطفى لما وقع يا أرض سمى عليه. من حيرته خبش الحصى بيديه)) (17) وعن تأزم الموقف بين العائلتين قال((الولد سيف الشيطان سرق كلب الجد. أنت تعرفه. كلب مسكين. الذبابة تقف بوزها على بوزه. لايرفع قدمه ليهشها. كلب سادر فى بلاهته. أين هو؟ احترق بعد أن أشعل الولد ابن الكرادنة فى ذيله قطعة قماش مغموسة فى البنزين وأطلقه. الكلب يا عينى ظلّ يستدير. يكسر جذعه ويلعب ذيله. النار والجنون. شق الدنيا عواؤه. جعل جدك لاينام ليلتين متعاقبتين))(22) .
وفى دور(من ربى ومن رعى) قال الراوى((رأيت يوم أن نزل النمر عبر الشارع الذى به سراية الرجل شفيق ، وقفز إلى صندوق العربة النقل الممتلىء بأقفاص الفراخ البيضا ، وصاحبها يرتكن إليها ينام ، وفى حجره الميكرفون ينادى به ، صحا إذ هاجت الفراخ بنقنقة طويلة مذعورة ، ونطت إلى كل مكان ، النمرالحيوان يضرب فيمزق. ويُطيّر الريش والرقاب. وفتات اللحم المدمم. البائع وجهه انتفخ. وهو مزنوق. صات وتفتف. لم يقف من مكانه إلاّ أنه رفس مرة أو مرتين قبل أن يتصلّب جانب من وجهه. وتهمد ذراعه اليسرى وقدمه ويتدلى فكه)) (54) وفى دور(جفاف البئر) فإن سبيلة ((داخت. تطوّحت. أحضروا لها كرسيًا بسرعة وأجلسوها. النسوان يُقلبن الهواء على وجهها بذيول فساتينهن)) (103) وفى دور(كامل المعنى) كانت المحلات فى شارع البوتيكات مغلقة ((وانعدمت الرجل. والناس نيام. قال الشبان إن النوم واجب. البحر(اسم بطل القصة) جعّر. صوته كيزان صفيح تضرب فى بعضها : ما أطال النوم عمرًا وما قصّر فى الأعمار طول السهر. وأدار الشريط. أحد الشبان تأفّف وصاح: سمعنا الشريط خمسين مرة . وأوقفه عن الدوران)) ( ص 181 ) .
والكاتب يتميز بوعى عميق بمفردات الثقافة القومية للمصريين. لذلك فهو يختار أسماء مصرية ترجع جذورها الى التاريخ المصرى القديم. مثل اسم ست الدار الذى كتب عنه عالم المصريات الكبير (فرانسوا دوما) أن اسم نفتيس NEPHTHYS هو التصحيف اليونانى للاسم المصرى (نبت/ حوت) ومعناه سيدة البيت. إنها أخت كل من إيزيس وأوزيريس. وزوجة (ست) ( حضارة مصر الفرعونية – المجلس الأعلى للثقافة – ترجمة ماهر جويجاتى – عام 1998 ص 825) .
وفى دور(جفاف البئر) يبدأ الراوى حكايته هكذا((رأيتُ سبيلة المرأة. الميكروباس تركبه. تملأ إبريقها وتُبخّر زيرها. إلى بورسعيد يابا. أما حمزة رجلها. فيمكث فى البلدة ينتظرها. لاأحد يقول : راحت الرجولة . لاأحد يقول : انقلبت على وجه وقفا . لاأحد يقول . لاأحد)) (ص 85) .
فى دور( مكث وطبب) شخصية العجوز داود الذى يعيش فى بيت كله نسوان. هن زوجات أبناء أو زوجات أبناء الأبناء. وهو يتميز بروح الفكاهة. فعندما يقابله العجوز فتح الله ويسأله مالك ياكبير؟ يرد عليه((كبير على قبيلة حريم يا فتح الله)) وفتح الله لايقل عن داود فى روح الفكاهة. فيرد عليه ((عمومًا أخذها السادات منك ومنى. يقول عن نفسه كبير العائلة)) العجوز داود الذى تهاجمه هواجس الجنس المتأخر والتفكير فى الموت. يصفه الراوى((خلاصة الحكمة والعقيدة فى القلب والفعل: العار أطول من العمر. وإنزع يا خويا من الرأس فكرة: عجوز تخطّفت الكهولة نور عينيه. والذهن شارد . والجسد ضعيف يُبلى. يوم والثانى مصيره الغُسل وقراءة الفاتحة. توهب له مع جواز الرحمة. فهو فى هياج لم يستطع النوم أن يغلبه)) ومشكلة داود تنحصر فى الشاب جلال المتخلف عقليًا. هو الشاب الوحيد من العائلة الذى يدخل على النساء. العجوز يشك فى جلال ((جلال هو الهم. والحريم جوا البيت هم فوق الهم. يقول المرأة فعلت هى. أنا فعلت لا. أدب. أدب. اسمها يا ولد؟ قل. يسكت. يضحك ضحكة ويقول: حلاوة أكلت بعسل. وقالت إوعى تقول لحد. يا ولد اسمها؟ هىء هىء. والفأرة فى العب تلعب وتقفز وتباهل وتوجع القلب)) لذلك يُقرّر داود أن يقوم بعملية إخصاء للشاب جلال. قال الحكّاء الشعبى((خلع داود جلبابه. جلال ضحك ضحكة وأشار. قال لجده : إنت نتايه؟ أدب. هبدة من القبضة فى الصدر. وجلال خلع ملابسه بالأمر. الشحم نازل طية فوق طية. السرير صرّت قوائمه وهبطت مراتبه. شجنت يمامة. ونعق غراب. البندقتان داخل محجريهما التمعتا فى صفحة الوجه الشائخ. شعرة من الشارب إنخلعت. وقعت على حجر السروال الغامق بانت شيبتها. نظر اليها. إقشعرّ بدنه. الخيط أم الموسى؟ الأولى لها وقت تأخذه. ولاضمانة لهذا القرد يفك عقدتها. الموسى حاسمة. واستقرت عيناه على المدلاة فيما بين الفخذين. وانفجرالدم يصفع وجهه واليدين)) (من 140-153) .
والكاتب يعى أهمية الموروث الشعبى فى تكوين الشخصية المصرية. من ذلك ما يرويه حكّاء القرية عن لطفى((الشاب لم يكن يعرف أن الجنيّة لم تعد جنيّة مع إنسى. تقع العين فى العين. فتعشقه وهو يعشقها. ولاتحت الماء جرّته. ولاالنوم معها ولاالأولاد من أول نومة هى تنجبهم. لم يكن يعرف أن العفاريت لم تعد تظهر فى عز النهار))(17) وفى دور(التراب) فإن عبدالجليل المغسل ((يؤمن بخرافة تقول إن المغسل الذى يحدث معه اختفاء الجثة مع الغُسل. سوف يعثر على كنز من الذهب يعادل وزن كل الجثث التى سبق وغسلها جميعًا. وبحسبة بسيطة عقله ذهب. من مقدار وزن كنزه. وهو يمارس عمله طوال ثلاثين سنة مضت. وركبه الخوف منذ الساعة. وبدأ ينظر للناس نظرة كلها ريبة. فهم كلهم يريدون سرقته)) (111) والبنت بنوت صباح((لاتنام الليل. خطيبها فى ليبيا. تسأل فحول الرمان متى على غصنها تزهر وتطرح الثمر؟ والى بيتها الجديد تدخل. وخطيبها يحس ويشعر ويرجع؟ كانت تجلس فى صالة البيت تمشط شعرها. خلّصت شعرتين من بين أسنان المشط. شعرى أسود وحرير. بخّرته من عين أم ياسين. ياسين خطيبى وأمه انتصار . عيونها أمضى من المسمار. قالت له روح يا محروس هات فلوس. يا سنداس مع الإخوان هاتوه وقيّدوه. أيوا قيدوه. وعلى بابى أنا يا حسرة واطلقوه. جرجروه واضربوه وشيلوه. وعندى أنا المسكينة وحطوه. يا سامع وحامى هات ياسين ابن انتصار مجبور الخاطر وفرحان)) (من 114-115 ) .
والرواية كلها مكتوبة على لسان الراوى الشعبى. وشخصيات الرواية يعرفونه معرفة وثيقة. منهم الكاره لصراحته ومنهم الصديق المحب. قال له لطفى((يابن يونس. هل رأيت هذا فى كتبك؟ أكتبها إذن أنشرها بين الناس)) (35) وسبيلة تصيح((الأستاذ ابن يونس واقف من زمان)) (106) وفى معظم فصول الرواية يبدأهذا الحكّاء الشعبى بكلمة(رأيت) فى دور(التراب) قال ((رأيت الست أنيسة تقابل المحامى)) وفى دور(كامل المعنى) قال ((رأيت يا صديقى أن التاريخ... لأنى شاهدت الشريط على بكرتين)) وفى دور(عصفور الجنة) يبدأ هكذا((رأيت تلك الهجمة على الجنيّنة)) وفى نهاية هذا الفصل الذى يدور حول الصراع بين الشك واليقين داخل صدر محمد الورد. شكٌ حول علاقة متخيّلة فى ذهنه بين زوجته وعصمت صاحب بوتيك(بيبرآندماوس) أما زوجته فهى نفسها لاتعرف إن كان ما حدث حقيقة أم مجرد حلم. ولأن الحدث فى هذا الفصل يدور فى ذهن الزوج بعد زيارة عصمت ، فهو نفسى وعقلى وليس حدثًا ماديًا. لذلك فإن الراوى كان موفقًا ودقيقًا وهو يقول((هل رأى محمد الورد ذلك رؤية العين أم شُبه له ؟ هو هذا وذاك لأنه عاشه)) والراوى – رغم ذلك- لايضع القارىء فى حالة كمد (=الغموض المغلق) الذى يلجأ اليه البعض ، لأنه غموض لايقول شيئًا. لأن كاتبه ليس لديه أى شىء ليقوله. ولكن الكاتب محسن يونس رغم إيمانه بالبعد الجمالى ل (الغموض الفنى) فإنه يبث شفرات الحل فى ثنايا العمل. فالفصل الذى يدور حول الصراع فى صدر الزوج محمد الورد ، يضيئه الراوى فى الفقرة السابقة على((أم شُبه له؟)) فالزوج بعد أن قتله الشك حصل على اليقين الذى صنعه لنفسه. كيف؟ قال الراوى((فالصداع المخرم لرأسه اختفى. وحلّ محله انسجام عجيب. فيه يا بنى حياة تانيه وتالته ورابعه كمان. من اليوم سوف يعيش)) ولكن الراوى له رأى آخر ، فقال لمحدثه ((هذا قرار يا زين – كان قرار موت – أنا الذى أقول. لأنه فى قابل الأيام كانت أهل بيته (زوجته) تضعه على مقعد ذى عجلات. تدفعه الى زقاق ضيق هو كل ما بقى. وتديره ليواجه الشمس بوجهها الجامد. يطل على موقف الميكروباس وهو يسمع نداء السائقين (موقف الجنينة) كانت أهل بيته تجرى مسرعة بعد هذا الى ذلك البوتيك. الذى امتلكته فى الشارع. لتبكّر فى فتح أبوابه. دعوا الورد فى مقعده بلا حياة. دعوه)) هكذا إذن : لقد امتلكت الزوجة بوتيك الشاب الذى اقتحم الجنينة واقتحم حياة الزوجين المستقرة الوادعة. فلماذا وكيف امتلكت البوتيك؟ لايقول المبدع شيئًا مباشرًا. ولذلك تعيش هذه الشخصيات فى وجدان القارىء كلّما مرّ بحالة من حالات التداعى الحر .
ثم يكون الجدل الدرامى الذى يُعمّق المعنى. إذْ أن كلام الراوى لم يُعجب محدثه الذى قال ((أرى الناس تعيش. أنت الذى امتلأ قلبه حقدًا)) فقال الراوى((أنا لم أصنع هذه الوقائع)) يسكت محدّثه. ومع ذلك يشير بيده للراوى كى يواصل الحكى. لذلك يكتب المؤلف على لسان الراوى ((وقد كنت بالفعل أستعد للدخول الى الدور التالى)) ولذلك يبدأ الفصل التالى مباشرة (دور الدائم المستقر)والراوى يقول ((رأيت أن أكمل لك قصة الشجرة. فالناس يندفعون الى شجرة لابورتى. كل فرد يرغب فى الاستحواذ على مفعولها المدهش)) وهذه الشجرة يتردد ذكرها فى أكثر من فصل . وهى شجرة عجيبة إذْ أن من يقترب منها تؤذيه إبرها. ومع ذلك فإن الناس يخاطرون من أجل الحصول على بذورها. مثل تيمور الذى حاول وفشل. ظلّ عشر سنوات ينتظر ذلك اليوم الذى يرى فيه لابورتى. الشجرة تزهر زهرتها على فروعها المترامية. عندها ستكون الزهرة ثمرة. والثمرة داخلها البذور. يأخذها ويزرعها. يمتلك عندئذ أشجارًا كثيرة بها غواية. وشرك منصوب يطلب الفرائس)) (231).
هل السم الذى يخرج من الشجرة حقيقة أم هو من صنع أوهام وتخيلات الناس؟ وهل فعلا أنّ حبيب الجواهرجى هو المستثنى الوحيد من لعنتها كما يعتقد تيمور الذى تحدّاه حبيب بأن أمسك بفرع من الشجرة الملعونة ولم يصب بسوء. وحتى يُعطى درسًا لتيمور الذى تمنى أن يصاب حبيب من سم الشجرة ، قال حبيب له : الآن سأضع فرع الشجرة فى إستك )) ( ص 228 ) .
فى هذا العمل البديع فإن الكاتب يعى التغيرات التى شوّهت الشخصية المصرية. ومنها تغلغل الأصولية الدينية فى المجتمع المصرى. فنجد فى الرواية شخصيات مثل خليل أبورمضان الذى اعتزل الناس وهجر غيط القبايبه وقال : ما أراه هو الجاهلية الأولى. اصطحب زوجتيه وأبناءه الى جزيرة وسط البحيرة. ليس فيها زرع. وليس فيها ماء ولاشجر(116) ومثل الشيخ حامد الذى يرى أنّ ((نِعم الرجال رجل لايُضيّع وقته فى البدع العصرية))(130) ومثل مجموعة الشباب الأصوليين الذين قرّروا تأديب الشيخ عاشور الكسيح الذى كان يصيح كلّما رأى أمثالهم((الله أكبراذا باض الحمار أشخاصًا)) ويُعذبونه (رغم عجزه الجسدى) لأنه يعشق الحياة. فرغم بطشهم إلاّ أنه امتلك شجاعة الاعلان عن فلسفته فى اللذات وهى أربع : النكاح والطعام والشراب ولذة الصوت اذا طرب. هذه الفلسفة المحبة للحياة. غير المؤذية للآخرين. يراها الأصوليون فسقًا يستحق العقاب. فيأسرون الشيخ الكسيح ويُعذبونه بقسوة. وكل ذلك يرويه لنا الحكّاء الشعبى بأسلوب فنى بديع فى فصل ممتع بعنوان(دور صاحب المعجزة) من ص 233 – 251 ) .
هذه الرواية البديعة كتبها مؤلفها الذى جلس على مقعد حكّاء القرية باللغة العربية (باستثناء الحوار وبعض فقرات فى السرد) ويذهب ظنى أن كتابتها بلغة المصريين كانت سترفع من حرارة الاستقبال. بما يتسق مع أسلوب الراوى الشعبى من جهة ، ومع شخصيات الرواية وبيئتها من جهة ثانية. خاصة وأنّ المؤلف يمتلك قدرة فائقة على صياغة الأدب بلغة المصريين. وقد تبين لى ذلك من مجمل أعماله. بل إنه كثيرًا ما يستخدم الكلمات العربية ، ولكن تركيب الجملة مصرى. مثال: ((وقال تعال يا داود بالليل نعمل قعده فى الجنينه)) (144) مثال آخر : ((رقيتك يا شريط من العين واسترقيتك. زى ما رقى محمد ناقته. حط لها العليق ما داقته)) (177) وهناك العديد من الأمثلة التى تؤكد قدرة الكاتب على استخدام الألفاظ العربية بتركيبة مصرية .
كما أنّ الكاتب صدّر روايته بالاشارة الى (معجم الألفاظ العامية ذات الحقيقة والأصول العربية) وهذا التصدير يثير قضية بالغة الأهمية. عن العلاقة بين اللغة العربية ولغة المصريين. لأننا لو سلّمنا أنّ الكلمات التى نستخدمها نحن المصريين عربية 100% (وهذا غير صحيح) نكون إزاء لغة العاطفة العرقية أو الدينية. لأن هذا الموضوع لايحسمه إلاّ علماء اللغويات. خصوصًا الذين تعلّموا اللغة المصرية القديمة بمراحلها الثلاث. وربطوا بينها وبين لغة المصريين المعاصرة. لأن هؤلاء العلماء أجمعوا على أن اللغة القومية لأى شعب لاتقاس بالألفاظ ، وإنما ب البنية structure وعلم اللغويات يضع مجموعة من الملاحظات مثل الفرق بين صيغة (فعلان) فى العربى وفى المصرى. وعلى سبيل المثال فى العربى تجد: حائر ، أجرب ، كسول، متعب الخ أما فى المصرى فقد توحّدت فى صيغة واحدة. فتجد فى المقابل : حيران. جربان. كسلان. تعبان الخ ونفس الشىء نجده فى أسماء الأشياء. حيث تكون فى العربى بأكثر من صيغة. أما فى المصرى فتضمها صيغة واحدة : مثال من العربى : كوب. حبه. مبراة. حدأة. طائرة. أما فى المصرى فهى هكذا على التوالى: كبايه. حبايه. برايه. حدايه. طياره. هذا غير وضع أداة الاستفهام فى أول الجملة فى العربى: أين أنت ذاهب؟ عكس المصرى: رايح فين؟ هكذا بخلاف العديد من الظواهر اللغوية التى تؤكد على وجود علاقة وثيقة بين اللغة المصرية الحديثة واللغة المصرية القديمة(لمزيد من التفاصيل : أنظر كتاب حاضر الثقافة فى مصر تأليف بيومى قنديل – دار الكلمة عام 2003) .
ويشير الباحث عبدالعزبز جمال الى أن المصريين يُبدّلون حروف الكلمات العربية ، مثل كلمة (أرانب) التى تحوّلت فى لسان المصريين الى (أنارب) وببغاء الى بغبغان الخ كما يرى أنّ المصريين بدّلوا فى حروف الكلمة الواحدة لتكون أكثر تأثيرًا وأكثر حيوية مثل (يرتعش) العربية لتصير فى المصرى (يترعش) ، يهتز لتصير يتهز ، يحترق لتصير يتحرق. كما أضاف المصريون بعض الحروف على الفعل العربى ليكون أكثر تأثيرًا مثل (يتعظم) فتكون (يتمعظم) فى المصرى. وهذه مجرد أمثلة من تلك الدراسة ( مجلة مصرية – العدد العاشر- سبتمبر2000 من ص 4 – 23 وكلك دراسة أ. شريف الصيفى – نفس العدد من ص 24 – 30 ) .
ولأن الكاتب محسن يونس يعى مفردات الثقافة القومية للمصريين. تلك الثقافة التى طوّعت كل ما هو وافد عليها وأدخلتها فى سياقها. لذلك نجده يكتب((الست الوالدة زنّأت عليه)) (182) فالمعنى هنا انها ضيّقت عليه أو أحكمت عليه الخناق، فى حين أنّ كلمة (زنأ) فى اللغة العربية هى(( زنأ فى الجبل صعد وبابه قطع وخضع و(الزناء) بوزن القضاء الحاقن. وفى الحديث نهى أن يصلى الرجل وهو زناء)) (مختار الصحاح – المطبعة الأميرية بمصر- عام 1911 ص 297) وكذلك فإننا نحن المصريين نستخدم العديد من الكلمات مثل كلمة (عكروت) وهى كلمة قبطية إكروتى EKROTI وأصلها هيروغليفى وكانت تعنى الطفل أو الصبى. وفى العصر الحديث أصبحت تعنى الولد الشقى ، الولد العفريت . الولد الحدق الخ فى حين أن معناها فى سوريا (القواد) أما معناها فى قواميس اللغة العربية فهى تعنى ((الرجل الذى ثقبت شحمة أذنه)) أى العبد الذى ثقبت شحمة أذنه لإدخال حلقة معدنية ، تُميزه عن الرجل الحر(نقلا عن الكاتب السورى عبدالهادى البكار – صحيفة القاهرة 19 يوليو 2005 ص8) أما كلمة دغدغ فهى فى اللغة العربية تعنى زغزغة المشاعر. وهو الأمر الذى انتبه اليه أ. درينى خشبة فى كتابه(أساطير الحب والجمال عند الإغريق) كتاب الهلال – 1965 ص 237 ، 292 – فى حين أن المصرى يستخدم نفس الكلمة بمعنى مختلف. فيقول: أدغدغ دماغك ، أى أكسر دماغك. هذا بخلاف أننا نحن المصريين لانستخدم الكثير من الكلمات العربية مثل كلمة (علج): ((بوزن العجل الواحد من الكفار والجمع علوج وأعلاج الخ)) (مختار الصحاح –ص474) .
كما أننا نفضل استخدام كلمة قمح بدلا من (حنطة) وكلمة بلح بدلا من (تمر) وزبالة بدلا من قمامة ، خاصة وقد استخرجنا منها (زبال) لصعوبة استخدام (قمّام) وفضلنا كلمة جنينة بدلا من حديقة خاصة وقد استخرجنا منها (جناينى) لصعوبة استخدام (حدائقى) الخ .
واذا كانت اللغة العربية بها العديد من الكلمات الأجنبية (مصرى قديم. يونانى. فارسى. تركى الخ) فإننا نحن المصريين نستخدم فى لغتنا المصرية العديد من الكلمات. منها ما هو مصرى قديم. ومنا ما هو أجنبى. وذلك فى الجملة الواحدة. وهذه بعض الأمثلة :
1 - إفرش الجورنال على الترابيزة: إفرش قبطى. الجورنال فرنسى. على عربى. ترابيزة يونانى .
2 - سك الباب يا نشأت: سك قبطى. الباب عربى . نشات تركى .
3 - يا مطره رخى رخى: مطره عربى. وإن كان المصرى ينطقها نطره. رخى قبطى.
4 - إشطفى الجلابيه يا نورهان: شطف قبطى. جلابية قبطى وانتقلت الى العربية. نورهان فارسى .
5 - إدينى التليفون أطلب تاكسى: إدينى قبطى. تليفون إنجليزى. طلب عربى. تاكسى إنجليزى.
6 - النونو ابن الإيه فتفت اللقمه: نونو هيروغليفى. ابن عربى. الإيه قبطى . فتفت قبطى . لقمه قبطى .
7 - كلنا فول مدمس وفلافل وبصاره وسريس: كل كلمات هذه الجملة من اللغة القبطية عدا واحدة عربية (كلنا) من الفعل أكل .
8 - البيبى مشى تاتا: بيبى إنجليزى. مشى قبطى. ثم انتقلت الى العربية. تاتا قبطى .
9 - خن البلكونه فيه لمبه: خن قبطى. بلكونه إنجليزى. فيه عربى. لمبه يونانى .
10 - شنكلته وخليته يفرفر : شنكل قبطى . خليته عربى . فرفر قبطى .
11 - الجرسون أخذ بقشيش : جرسون فرنسى. أخذ عربى . بقشيش فارسى .
12 - فستان الست جيهان شيك: فستان فارسى. الست هيروغليفى. جيهان فارسى. شيك فرنسى.
13 - نينه اشترت كستبان: نينه هيروغليفى. اشترت عربى. كشتبان (هكذا بالشين فى أصلها القبطى ) .
رغم هذه الملحوظة حول اللغة ، فإن رواية(بيت الخلفة) عمل أدبى بديع. خاصة وأن المبدع أيقظ الذاكرة القومية للمصريين. بانبعاث أسلوب الحكى الشعبى بعد أن انقرض الحكّاؤون الشعبيون أو كادوا. محسن يونس بدأ نشر قصصه منذ السبعينات من القرن العشرين. وصدرت مجموعته القصصية الأولى بعنوان(الكلام هنا للمساكين) عام 89 عن مطابع دار النور بطنطا. ومجموعة قصصية بعنوان (الأمثال فى الكلام تضيىء) عام 92 عن هيئة قصور الثقافة. ومجموعة بعنوان (يوم للفرح) عام 92 عن هيئة الكتاب المصرية. ورواية (حلوانى عزيز الحلو) عام 98 عن هيئة قصور الثقافة. رغم ذلك فإن أغلب النقاد المحترفين لايهتمون بإبداعه ، فى حين كتبوا عن أعمال متواضعة أو ضعيفة فنيًا. أما هو (شأنه شأن كل فنان أصيل) فهو يواصل الإبداع على أمل التواصل مع القارىء المهتم بإعادة صياغة الواقع المصرى إبداعيًا .
*****

رؤية لأعمال الكاتب



محسن يونس كاتب مهموم بالذات الجمعية وما يحدث لها في العالم ومصر وجزيرة ديامو التي يكتب عن أدق تفاصيلها.
بقلم: هشام الصباحي

الكتابة عند محسن يونس ليست مجرد إضافة كلام، بل هي خلق لهذا الكلام والنفخ فيه من روحه الإنسانية حتى يخرج مميزا ومختلفا تماما وليس له وجه تشابه مع كلام آخر أو كتابة أخرى. إنه اختزال للعالم والأحلام والهزائم والانتصارات وحتى الأساطير في صفحات كتاب يصنعه هو ليعبر عن رؤيته الخاصة والفريدة ويتواصل مع كل الفضاء المحيط الذي يحدده هو من اللحظة الأولى ولا يمنحك فرصة سوى الانتباه والإنصات والدخول بمتعة إلى ما يكتب ويقول، لتشعر وترى وتعيش مع إبداع حقيقي لا يستسهل الكتابة أو إنتاج الكتب من أجل أن تكون الأكثر مبيعا بل لتكون أكثر حميمة وإنسانية.

ويظل محسن يونس مهموما بالذات الجمعية وما يحدث لها في العالم وفي مصر وفي جزيرة ديامو التي يكتب عن أدق تفاصيلها وحياتها وأحلامها في كتابه الذي يأخذ تصنيفا جديدا هو موجات قصصية يضيفه إلى تصنيفات الثقافة العربية, ويأخذ عنوان "سيرة جزيرة تُدعى ديامو", وقد صدر في القاهرة عام 2008 في طبعته الأولى عن دار فكرة للنشر والتوزيع.

وتعد سيرة جزيرة، سيرة حاضرة وآنية للحشد الجمعي حتى أنها تتقاطع مع اعتباره سيرة وطن، فشخوص الكتاب حيث الحركة والسكون في جموع والحديث والصمت في جموع, حتى أن المنامات والكوابيس والأحلام أيضا جمعية بمفهومها ودلالتها الأساسية وليس المعنوية.

وفكرة أن يكون في ديامو سور حجري مورث يمثل رمز الأجداد وعظمتهم ويكون معلم للأحفاد في ديامو يجعل من ديامو المعادل الروائي لمصر، ولكن محسن يونس أراد أن ينتمي إلى بيئة أخرى أقل اتساعا حتى يصل إلى عمق الأثر والالتصاق بذاته وذوات الأسر المعدودة التي تعيش حوله، وفي الكتاب أيضا الذي يعد رواية في شكل موجات قصصية رائعة.

وقد كان لهذا الجدار المكون من حجارة معجزات منها أن كل واحد في جزيرة ديامو إذا وقف أمامه لابد أن يجد حجرا يحمل ملامحه وصورته حيث يحاول الكاتب خلق صور من التواصل بين الماضي والحاضر, وإحداث ترابط مع هذا الميراث الذي يمثل المعيار.

لقد كانت الحكمة لدى شخوص محسن يونس قاتلة ومؤلمة وجارحة, حيث لابد أن تعطيك أثرا لن تنساه، ويظل علامة في روحك وجسدك يجعلك تفهم الحياة وتتقبل التقلبات والكوارث المهداة إليك حيث في ص22 البهلوان الذي يجعل أهل الجزيرة يضحكون من نكاته وحكاياته عندما يفشل في نزع الحزن من شخص ما "الحزن أقوى من الفرح يا أمنا.. الضحك يخرج منا, الحزن يدخل ويقيم".

كما أن كل الشخوص والمكونات من حيوان وجماد لهذه الموجات القصصية كانت فاعلة ومؤثرة ومهمة ولها نكهة خاصة بها حتى أن البحر له دور ورأي وفعل عندما دفع السمك من داخله إلى الجزيرة ليقوم بالتعرية والحديث عن أسرار أهل الجزيرة على الملأ ليفضح البشر عامة وأهل الجزيرة خاصة ويتكلم عن عيوبهم في علانية وخيانتهم لبعضهم البعض ومشاعرهم المخفية إزاء بعضهم البعض, في محاولة لعقاب بسيط لهم عندما حاولوا تغيره واستبداله ببحر آخر يحيط بالجزيرة حيث أنه شاخ وأصبح بحرا عجوزا.

إن عناوين الموجات القصصية لها سمة خاصة حيث يكون تساوي التضاد أمرا مهيمنا على هذه العناوين، وهو الجمالية الجديدة التي يكشفها لنا محسن يونس ومن هذه العناوين "السكر يذوب.. والملح كذلك", "الذي يقيم.. الذي يغادر", "كُل ساقط صاعد والعكس".

لقد كان فضاء الرواية مكونا من قطعة الأرض التي تسمى "جزيرة ديامو" والبحر والبشر القلائل الذين يعيشون على هذه الجزيرة, لقد قدم محسن يونس في عمله العاشر من عمره الإبداعي العديد من الأساطير والمعجزات والكوابيس والرؤى في سيرة جزيرته التي نظن أنها جزيرتنا ووطننا.

هشام الصباحي

رؤية لأعمال الكاتب



الكاتب محسن يونس ، ولغته تلك اللغة المنسوجة بتراث الماضي فكأنه يربط أدبنا المعاصر بأصالتنا القومية , كمحاولة لنفى التغريب ، وإيجاد نموذج قصصي خاص ومستقل ،عن النماذج القصصية الغربية ، وأعماله تكشف عن وعى عميق بهذه الأصالة ، وعلى نقد حاد لسلبيات أوضاعنا العربية ، لكنه نقدا لا يتضمن نفيا لوجودنا ، بل فعلا إيجابيا من أجل التصحيح ..فغالبا ما يقدم صورة متهرئة للسلطة في كثير من أعماله ..
فتحيتي له .. وتحية لكل من كتب عنه . ( سعيد رمضان على )