الجمعة، 10 أبريل 2009

رؤية لأعمال الكاتب



محسن يونس كاتب مهموم بالذات الجمعية وما يحدث لها في العالم ومصر وجزيرة ديامو التي يكتب عن أدق تفاصيلها.
بقلم: هشام الصباحي

الكتابة عند محسن يونس ليست مجرد إضافة كلام، بل هي خلق لهذا الكلام والنفخ فيه من روحه الإنسانية حتى يخرج مميزا ومختلفا تماما وليس له وجه تشابه مع كلام آخر أو كتابة أخرى. إنه اختزال للعالم والأحلام والهزائم والانتصارات وحتى الأساطير في صفحات كتاب يصنعه هو ليعبر عن رؤيته الخاصة والفريدة ويتواصل مع كل الفضاء المحيط الذي يحدده هو من اللحظة الأولى ولا يمنحك فرصة سوى الانتباه والإنصات والدخول بمتعة إلى ما يكتب ويقول، لتشعر وترى وتعيش مع إبداع حقيقي لا يستسهل الكتابة أو إنتاج الكتب من أجل أن تكون الأكثر مبيعا بل لتكون أكثر حميمة وإنسانية.

ويظل محسن يونس مهموما بالذات الجمعية وما يحدث لها في العالم وفي مصر وفي جزيرة ديامو التي يكتب عن أدق تفاصيلها وحياتها وأحلامها في كتابه الذي يأخذ تصنيفا جديدا هو موجات قصصية يضيفه إلى تصنيفات الثقافة العربية, ويأخذ عنوان "سيرة جزيرة تُدعى ديامو", وقد صدر في القاهرة عام 2008 في طبعته الأولى عن دار فكرة للنشر والتوزيع.

وتعد سيرة جزيرة، سيرة حاضرة وآنية للحشد الجمعي حتى أنها تتقاطع مع اعتباره سيرة وطن، فشخوص الكتاب حيث الحركة والسكون في جموع والحديث والصمت في جموع, حتى أن المنامات والكوابيس والأحلام أيضا جمعية بمفهومها ودلالتها الأساسية وليس المعنوية.

وفكرة أن يكون في ديامو سور حجري مورث يمثل رمز الأجداد وعظمتهم ويكون معلم للأحفاد في ديامو يجعل من ديامو المعادل الروائي لمصر، ولكن محسن يونس أراد أن ينتمي إلى بيئة أخرى أقل اتساعا حتى يصل إلى عمق الأثر والالتصاق بذاته وذوات الأسر المعدودة التي تعيش حوله، وفي الكتاب أيضا الذي يعد رواية في شكل موجات قصصية رائعة.

وقد كان لهذا الجدار المكون من حجارة معجزات منها أن كل واحد في جزيرة ديامو إذا وقف أمامه لابد أن يجد حجرا يحمل ملامحه وصورته حيث يحاول الكاتب خلق صور من التواصل بين الماضي والحاضر, وإحداث ترابط مع هذا الميراث الذي يمثل المعيار.

لقد كانت الحكمة لدى شخوص محسن يونس قاتلة ومؤلمة وجارحة, حيث لابد أن تعطيك أثرا لن تنساه، ويظل علامة في روحك وجسدك يجعلك تفهم الحياة وتتقبل التقلبات والكوارث المهداة إليك حيث في ص22 البهلوان الذي يجعل أهل الجزيرة يضحكون من نكاته وحكاياته عندما يفشل في نزع الحزن من شخص ما "الحزن أقوى من الفرح يا أمنا.. الضحك يخرج منا, الحزن يدخل ويقيم".

كما أن كل الشخوص والمكونات من حيوان وجماد لهذه الموجات القصصية كانت فاعلة ومؤثرة ومهمة ولها نكهة خاصة بها حتى أن البحر له دور ورأي وفعل عندما دفع السمك من داخله إلى الجزيرة ليقوم بالتعرية والحديث عن أسرار أهل الجزيرة على الملأ ليفضح البشر عامة وأهل الجزيرة خاصة ويتكلم عن عيوبهم في علانية وخيانتهم لبعضهم البعض ومشاعرهم المخفية إزاء بعضهم البعض, في محاولة لعقاب بسيط لهم عندما حاولوا تغيره واستبداله ببحر آخر يحيط بالجزيرة حيث أنه شاخ وأصبح بحرا عجوزا.

إن عناوين الموجات القصصية لها سمة خاصة حيث يكون تساوي التضاد أمرا مهيمنا على هذه العناوين، وهو الجمالية الجديدة التي يكشفها لنا محسن يونس ومن هذه العناوين "السكر يذوب.. والملح كذلك", "الذي يقيم.. الذي يغادر", "كُل ساقط صاعد والعكس".

لقد كان فضاء الرواية مكونا من قطعة الأرض التي تسمى "جزيرة ديامو" والبحر والبشر القلائل الذين يعيشون على هذه الجزيرة, لقد قدم محسن يونس في عمله العاشر من عمره الإبداعي العديد من الأساطير والمعجزات والكوابيس والرؤى في سيرة جزيرته التي نظن أنها جزيرتنا ووطننا.

هشام الصباحي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق